يعيش الناقد هادي نهر عوالم الشاعر نضال القاسم في تجربته الإبداعية المميزة على مدى سنوات طوال أصدر فيها مجموعاتٍ ملأت هذا الكتاب الطريف. لقد أبحر الناقد الهادي مع الشاعر القاسم في عُمقِ تجربته الشعرية المتصارعة على الحياة والوطن، والمتشابكة في عوالمها كالأرض المجروحة المخذولة ، بلغة إيحائية منتقاة الألفاظ والصور والمعاني لتتلاءم مع العمق والظلال، أملا في فجر جديد، ومكان ظليل. لا شك أن الناقد قد سعى لاختراق طبقات الشعر في تكوينه الإبداعي البعيد؛ مبتدئا من مشاكسة أرضه إلى رماد مدنه عند ليله الذي قد لا يمحوه نهاره مسافات تتباعد، وآمال تقترب من الوصول، عاشها الناقد الضمني في ردهات شعرٍ يحمل بعضًا من هالات التكوين القارة، والمتحركة نحو الضياء، والأحلام مع الطين والماء الأنيق كي يستقر ويلامس آمالا عراضًا، وأحلاما طافحة في نجمة بيضاء، وفصول أربعة.
تتباعد الأرواح والمسافات بين الشاعر العاشق للأرض، ونبضات الناقد الحاني عليها بعد أن وطئتها قدماه يوما، حتى لاحت له في ذكراها لهفة ندية، وتوق لذيذ لما فيها من أزهار وأقمار يتبارى في عشقها النشامى. من هنا وهناك تُطوى المسافات، ويعود الناقد إلى أرض الشعر مُطِلًا بشموخ وكبرياء على الجليل والبطل الصغير، والحجر النبيل. تغيبُ المسافات الحارقة لتطل من خلفها مزارع الأمل وأغنيات المجد، وتاراتُ الوطن. ولما كانت الحياة نصاً مفتوحا يملؤه الشاعر بالأمنيات وبالجراح، فقد غدا الناقد يعيشه من ثم بدهشة النصّ المظنون وبلاغات القول المشحون؛ بحرارة التوق، وجمرة العشق، وخفقة القلب. وهكذا أحكم الناقد مبضع النبش في الأحرف المضيئة ليقف على تجذر المعنى، واكتمال
الصور، وتحليق الخيال، وحلاوة الإيقاع الناظم لكل ما تصنعه نغماته المنتقاة. وانتهى إلى أن غاص في طبقات اللغة يُقدِّرُ للشاعر زراعة الحياة الآملة رُغم عُنف الصراع، وطهر الدماء. لا شك أن الناقد أُعجب بمهارة الشاعر وفنيَّته المنجزة فيما رصدته القصيدة القاسمية من إبداع تتجلّى فيه